أول ممثلة افتراضية في هوليود تشعل أزمة جديدة حول الذكاء الاصطناعي

عمان1:في الوقت الذي يشهد فيه عالم الفن تحولات جذرية بفعل الذكاء الاصطناعي، تدخل هوليود مرحلة حساسة من النقاش حول حدود الإبداع البشري والتكنولوجيا. فبعد أن كان الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة في صناعة السينما، ظهر على الساحة مشروع غير مسبوق: تيلي نورود، الممثلة المصنوعة بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتي وُصفت بأنها "أول ممثلة افتراضية في هوليود".
مثل آلاف الممثلين الطامحين، تبحث تيلي نورود عن وكيل أعمال في هوليود. لكن الفارق الجوهري هو أن هذه الشخصية ليست إنسانا من لحم ودم، بل هي ابتكار رقمي أطلقته شركة "شيكويا"، التي تعرّف نفسها بأنها أول "أستوديو مواهب" يعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي.
المشروع تقف خلفه الكوميدية والمنتجة الهولندية إلين فان دير فيلدن، التي قدمت نورود للعالم كممثلة افتراضية في صناعة السينما. وما إن أعلنت عنه حتى أصبح حديث الأوساط الفنية في لوس أنجلوس، لكن ليس بالإيجاب، بل بانتقادات لاذعة من النقابات والممثلين وصناع الأفلام.
النقابات: "الذكاء الاصطناعي ليس فنا"
نقابة ممثلي الشاشة الأميركية أصدرت بيانا حادا جاء فيه "الإبداع يجب أن يبقى عملا إنسانيا في جوهره. تيلي نورود ليست ممثلة، بل شخصية وُلدت بواسطة برنامج كمبيوتر مُدرّب على أعمال عدد لا يحصى من المؤدين المحترفين، من دون إذن أو تعويض".
الممثلة الأميركية فرانسيس فيشر رفعت لافتة خلال إضراب 2023 كُتب عليها "الذكاء الاصطناعي ليس فنا"، في رسالة واضحة بأن الموهبة الإنسانية لا يمكن استبدالها بخوارزميات.
ترويج عالمي وغضب في هوليود
قدّمت فان دير فيلدن مشروعها خلال قمة زيورخ المواكبة لمهرجان زيورخ السينمائي، وأعلنت أن وكالات مواهب عدة تبدي اهتماما بالتوقيع مع الشخصية الافتراضية.
لكن ردود الفعل في هوليود كانت غاضبة؛ بطلة فيلمي "في المرتفعات" (In the Heights) و"سكريم" (Scream) ميليسا باريرا كتبت على وسائل التواصل "أتمنى أن ينسحب كل ممثل من أي وكالة توقع معها. الأمر مقزز".
أما نجمة "الدمية الروسية" (Russian Doll) ناتاشا ليون فعلّقت على إنستغرام "أي وكالة مواهب تنخرط في هذا يجب أن تُقاطع من جميع النقابات… هذا ليس الطريق".
ليون، التي تعمل حاليا على فيلم "واد غريب" (Uncanny Valley) يتبنى "ذكاء اصطناعيا أخلاقيا"، أكدت أن استخدام الذكاء الاصطناعي بهذا الشكل "مضلل ومقزز".
صراع قديم متجدد
الذكاء الاصطناعي يُستخدم بالفعل في السينما كأداة تقنية، لكن الجدل يتركز على كيفية استخدامه. ففي إضراب نقابة ممثلي الشاشة الأميركية عام 2023، كان أحد المحاور الأساسية هو حماية صور وأداء الممثلين من الاستنساخ غير المصرح به. الأمر نفسه تكرر في إضراب ممثلي ألعاب الفيديو الذي استمر عاما كاملا.
وفي 2024، أثار فيلم "الوحشي" (The Brutalist) الحائز على الأوسكار نقاشا واسعا، بعد استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد حوارات باللغة المجرية أدّاها أدريان برودي وفيلسيتي جونز.
في مواجهة هذا الهجوم، ردّت فان دير فيلدن عبر إنستغرام "تيلي نورود ليست بديلا عن ممثلة بشرية، بل هي عمل فني وتجربة إبداعية. مثل أي شكل جديد من الفنون، تثير الجدل، وهذا دليل على قوتها".
وأضافت "إنشاء تيلي تطلب وقتا ومهارة وجهدا لا يختلف عن كتابة شخصية أو رسم لوحة أو صياغة أداء مسرحي".
حساب تيلي على إنستغرام ينشر صورا رقمية لها وهي تحتسي القهوة، أو تتسوق، أو تحضر لتجارب أداء، وقد وصل عدد متابعيها حتى الثلاثاء إلى أكثر من 33 ألفا.
في أحد منشوراتها كتبت الشخصية الافتراضية "استمتعت بتصوير بعض اختبارات الشاشة مؤخرا. كل يوم أشعر أنني أقرب إلى الشاشة الكبيرة".
بين الخيال والفن والصناعة
لا تقتصر القضية على شخصية افتراضية واحدة، بل تعكس جدلا أوسع حول مستقبل الفن في عصر الذكاء الاصطناعي. هل يمكن اعتبار هذه الابتكارات فنا؟ أم أنها تهديد لجوهر التمثيل الإنساني؟
الإجابة ما زالت معلّقة بين المبدعين الذين يدافعون عن أصالة التجربة الإنسانية، والمبتكرين الذين يرون في الذكاء الاصطناعي أفقا جديدا للإبداع الفني.