24 دقيقة تصفيق لفيلم صوت هند رجب

عمان1:يحمل فيلم "صوت هند رجب" (The Voice of Hind Rajab)، الذي عُرض لأول مرة أمس الأربعاء في مهرجان فينيسيا السينمائي، التوسلات الأخيرة المؤلمة للطفلة الفلسطينية هند رجب (خمس سنوات)، التي حاصرها الجيش الإسرائيلي وأفراد من عائلتها في سيارة بقطاع غزة وقتلها بأكثر من 300 رصاصة رغم استغاثاتها لإنقاذها.
وقد لاقى الفيلم استحساناً واسعاً عند عرضه. وأوضحت الممثلة سجى الكيلاني للصحافيين، في بيان قرأته نيابة عن جميع العاملين في الفيلم، أنّ "قصة هند تحمل ثقل شعب بأكمله". ويركّز هذا العمل الدرامي الواقعي على مشغّلي خدمة الهاتف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الذين حاولوا لساعات طويلة طمأنة هند رجب العالقة وهي تتوسّل لإنقاذها من السيارة، بينما كانت عمتها وعمها وثلاثة من أبناء عمومتها قد قضوا بالفعل.
واستُخدمت عبارة هند رجب "أنا خائفة جداً، أرجوكم تعالوا"، مدعّمة بمقاطع أصلية أخرى من استغاثاتها مع مشغّلي الخدمة، لتتردّد بقوة طوال الفيلم. وأضافت الكيلاني: "السؤال الحقيقي هو: كيف تركنا طفلة تتوسّل من أجل الحياة؟ لا يمكن لأحد أن يعيش في سلام بينما يُجبر طفل واحد على التوسّل للبقاء... دعوا صوت هند رجب يتردّد صداه في أنحاء العالم".
وبعد انتظار استمر ثلاث ساعات، حصل الهلال الأحمر أخيراً على الضوء الأخضر من إسرائيل لإرسال سيارة إسعاف لإنقاذ هند. غير أنّ الاتصال انقطع بالطفلة وبالمسعفين أنفسهم بعد وصول السيارة إلى مكانها. وبعد أيام، عُثر على جثة الطفلة مع جثث أقاربها داخل السيارة، كما جرى انتشال أشلاء عاملَي الإسعاف اللذين قُتلا إثر استهداف سيارتهما.
وقد قوبل الفيلم بتصفيق حار استمر 24 دقيقة خلال عرضه الأول، وهي أطول مدة مسجّلة في المهرجان حتى الآن، ما جعله المرشّح الأوفر حظاً لدى الجمهور للفوز بجائزة الأسد الذهبي التي ستُمنح في السادس من سبتمبر/أيلول الجاري. وقد دوّى من بين الحضور هتاف "فلسطين حرة". واستقطب الفيلم بعض الأسماء اللامعة في هوليوود منتجين منفّذين، ما منحه ثقلاً إضافياً في صناعة السينما، من بينهم الممثلون براد بيت وخواكين فينيكس وروني مارا.
وأكدت المخرجة التونسية كوثر بن هنية، التي كتبت السيناريو أيضاً، أنّ "صوت هند تجاوز مأساة واحدة". وأردفت قائلة: "عندما سمعت صوت هند للمرة الأولى، كان هناك ما هو أكثر من صوتها. لقد كان صوت غزة ذاتها تطلب المساعدة... الغضب والشعور بالعجز عن فعل شيء هما اللذان ولّدا هذا الفيلم". وأوضحت كوثر قائلة "الرواية المتداولة حول العالم هي أنّ من يموتون في غزة يُعتبرون أضراراً جانبية. أعتقد أنّ هذا تجريد من الإنسانية، ولهذا السبب فإن السينما والفن مهمان لإعطاء هؤلاء الناس صوتاً ووجهاً. نحن نقول: كفى، كفى هذه الإبادة الجماعية".
كما أعلنت أكبر جمعية أكاديمية في العالم لعلماء أبحاث الإبادة الجماعية هذا الأسبوع عن قرار ينصّ على استيفاء المعايير القانونية التي تثبت ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، وهو ما تنكره إسرائيل. وأشار الممثلون الذين جسّدوا أدوار موظفي الهلال الأحمر إلى أنّهم لم يسمعوا تسجيلات هند إلا في موقع التصوير، ما جعل التجربة مؤثرة للغاية. وصرّح الممثل الفلسطيني معتز ملحيس قائلاً: "مرتان لم أتمكّن فيهما من مواصلة التصوير. أصبت بنوبة هلع".
وأمس الأربعاء، أعلنت مؤسسة "هند رجب" الحقوقية أنها رفعت شكوى جنائية رسمية أمام المدعي العام للمحكمة العليا في اليونان ضد المقدم يائير أوحانا، وهو ضابط بالجيش الإسرائيلي يزور البلاد حاليا سائحا. وقالت المؤسسة التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني، إن الضابط أوحانا شغل منصب "قائد سرية وضابط لوجستيات في كتيبة المشاة 432 (تسبار) التابعة للواء النخبة غولاني، الذي شارك بشكل مباشر في حملة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة".
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في البداية أنّ قواته لم تكن في نطاق إطلاق النار على السيارة، لكن تحقيقات مستقلة شكّكت في هذا الادعاء، فيما أشار تقرير لاحق صادر عن الأمم المتحدة إلى أنّ الجيش الإسرائيلي دمّر سيارة هند، ثم قتل المسعفين اللذين حاولا إنقاذها. ورداً على سؤال وُجّه إليه هذا الأسبوع بشأن تلك الحادثة، اكتفى الجيش الإسرائيلي بالقول إن الواقعة التي تعود إلى 29 يناير/كانون الثاني 2024 لا تزال قيد المراجعة، ورفض الإدلاء بمزيد من التعليقات.
وبدعم أميركي، تواصل إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرب إبادة على غزة خلّفت حتى أمس الأربعاء أكثر من 63 ألف شهيد، و161 ألفاً و245 جريحاً، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من تسعة آلاف مفقود. كما تسببت المجاعة -جراء منع إدخال المساعدات- باستشهاد 367 فلسطينياً، بينهم 131 طفلاً، وسط نزوح مئات الآلاف.
وترى منظمات حقوقية أن تقديم شكاوى جنائية ضد عسكريين إسرائيليين في دول عدة، مثل اليونان، يشكّل خطوة متقدمة نحو كسر حصانة تل أبيب ومساءلة المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة بحق الفلسطينيين.