تسوركوف : لم ألتق في حياتي أجهل من خاطفيّ

عمان1: تستمر الباحثة الإسرائيلية- الروسية إليزابيث تسوركوف، التي خُطفت في العراق عام 2023 وأُفرج عنها في سبتمبر (أيلول) الماضي، في هجومها العنيف على خاطفيها، واصفةً قادتهم بأنهم “الأكثر جهلاً” ممّن التقتهم في حياتها، ومحمّلةً فصائل “محور إيران” مسؤولية ما سمّته “تآكل قدراتها الذاتية بسبب غباء قياداتها”.
وقالت تسوركوف، طالبة الدكتوراه في جامعة برينستن الأمريكية، والباحثة في «معهد نيولاينز للإستراتيجية والسياسة» في تغريدة على منصة إكس: «لن تعترف إسرائيل بذلك أبدًا، لكنني واثقة أن الكثير من نجاحاتها في مواجهة المحور الإيراني لا يعود إلى عبقرية إسرائيلية، بل إلى غباء الرجال الذين يشكّلون صفوف وقادة تلك الميليشيات والنظام الإيراني نفسه».
وأضافت: «لقد قضيتُ 903 أيام في أسر إحدى الميليشيات العراقية التابعة لإيران، ويمكنني أن أؤكد أنني لم ألتقِ في حياتي أناسًا أكثر جهلاً منهم».
وتسوركوف كانت قد فُقد أثرها في بغداد في مارس (آذار) 2023 أثناء قيامها بأبحاث ميدانية حول الفصائل العراقية المسلحة، ودخلت البلاد بجواز سفر روسي. وتشير تقديرات غربية إلى أنها كانت محتجزة لدى فصيل «كتائب حزب الله» العراقي المدعوم من «الحرس الثوري» الإيراني.
وقالت إن قادتها السابقين في الأسر «يظنون أن أجهزة التتبّع في الإمكان زرعها في الأسنان، لكنهم لا يعرفون أن هناك حشوات بيضاء (غير فضية) أصلاً». وأضافت ساخرة: «قادة آخرون مقتنعون بأن الماسونيين يحكمون العالم، وآخرون كبار لا يعرفون القراءة والكتابة. وقائد إيراني يعتقد أن هناك ما تُسمّى (عبرية محكية) و(عبرية مكتوبة)… يا للمأساة أن يُبتلى العراقيون واليمنيون والغزّيون والإيرانيون واللبنانيون بحكم مثل هؤلاء الجهلة القساة».

عودة إلى إسرائيل بعد الإفراج
بعد أكثر من 903 أيام من الاحتجاز، أُطلق سراح تسوركوف في 9 سبتمبر (أيلول) 2025، في عملية قالت وسائل إعلام أمريكية إنها جرت بوساطة دولية معقدة شاركت فيها الولايات المتحدة وقطر والأردن. ووصلت تسوركوف إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، حيث نُقلت مباشرة إلى مركز شيبا الطبي في رامات غان لإجراء فحوص طبية ونفسية.
وقالت في أول بيان لها عقب الإفراج إنها «لن تنسى التعاطف الذي أبداه بعض العراقيين رغم الخطر»، مؤكدةً أنها «لا تحمل كراهية للشعب العراقي»، بل تلوم من وصفتهم بـ«القوى التي خطفت البلاد وحولتها إلى رهينة بيد إيران».
وأكدت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن الإفراج عنها لم يكن نتيجة صفقة تبادل، بل جاء بعد «جهود دبلوماسية وأمنية معقّدة» شاركت فيها أطراف أمريكية وروسية. فيما ذكرت “الغارديان” البريطانية أن المفاوضات استغرقت شهورًا، وأن إطلاق سراحها كان مشروطًا بتعهدات بعدم العودة إلى العراق أو الانخراط في نشاط سياسي يتعلق بالميليشيات العراقية.

“باحثة بلا حدود”
إليزابيث تسوركوف، التي تحمل الجنسيتين الإسرائيلية والروسية، كانت معروفة قبل اختطافها بكتاباتها في مجلات ومراكز بحثية أمريكية، أبرزها “فورين بوليسي”و” نيولاين ماغازين”، حول الصراعات في سوريا والعراق. وهي تتحدث العربية بطلاقة، وعملت سابقًا باحثة ميدانية في مناطق النزاع، خصوصًا في درعا وإدلب، قبل أن تنتقل إلى دراسة الحركات الشيعية العراقية.
بعد الإفراج عنها، واصلت نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي، مركّزة على ما تصفه بـ«الفساد الفكري داخل محور إيران». وتكتب، منذ أكتوبر الماضي، سلسلة منشورات تنتقد فيها «الجهل، الذكورية، ونظريات المؤامرة» المنتشرة في أوساط الميليشيات العراقية والإيرانية.
وقالت في إحدى تغريداتها: «أمضيتُ عامين ونصفًا أستمع إلى رجال يظنون أن كل من ينتقدهم عميل للموساد أو الـCIA. هذه عقلية تعيش خارج التاريخ».
وأضافت أن تجربتها «كشفت هشاشة الخطاب الذي يزعم المقاومة، بينما ينهب قادته الشعب باسم الدين والمظلومية».

ردود أفعال متباينة
تصريحات تسوركوف أثارت جدلًا واسعًا في الإعلام العراقي والإيراني. فقد وصفها مسؤولون في «كتائب حزب الله» بأنها «أداة استخباراتية» و«ناشطة دعائية بغطاء أكاديمي»، بينما نفى المتحدث باسم الحكومة العراقية أن تكون بغداد طرفًا مباشرًا في عملية احتجازها أو الإفراج عنها.
في المقابل، دافع باحثون غربيون عن حقها في التعبير عن تجربتها. وقال البروفيسور مايكل ديفيس من جامعة برينستن إن «ما تعرضت له تسوركوف يُعدّ مثالًا صارخًا على المخاطر التي تواجه الباحثين في البيئات النزاعية». وأضاف: «قد تكون آراؤها قاسية، لكنها تعبّر عن تجربة شخصية مريرة».
ويرى مراقبون أن تصريحات تسوركوف الأخيرة لا تنفصل عن المناخ الإقليمي الحالي، خصوصًا بعد تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران على جبهات متعددة، من العراق وسوريا إلى لبنان واليمن وغزة. فبينما تسعى طهران إلى تعزيز حضورها في الإقليم، تكثّف إسرائيل ضرباتها لما تسميه «محور المقاومة».
ويقول محللون إن تصريحاتها «تعكس روح مرحلة ما بعد الأسر، لكنها أيضًا جزء من حرب الروايات بين إسرائيل ومحور إيران، حيث يُستخدم الخطاب الشخصي لتقويض الصورة الأيديولوجية للخصم».

زر الذهاب إلى الأعلى