ترامب يحتفل بـ يوم النصر على المحور الإيراني من قلب الرياض

عمان1-بقلم: الأستاذ الدكتور هاشم الحمامي
في لحظة بدت وكأنها إعلان لمرحلة إقليمية جديدة، حطّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، في مستهل جولة شرق أوسطية تشمل الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر. جاءت الزيارة وسط تحولات استراتيجية دراماتيكية تشهدها المنطقة، أبرزها التراجع الحاد في نفوذ المحور الإيراني بعد سلسلة هزائم عسكرية وسياسية أجبرت طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات.
لكن وراء البروتوكولات الفاخرة والمظاهر الاحتفالية، حملت الزيارة رسائل استراتيجية حاسمة: انتهت حقبة التمدد الإيراني، وبدأ عصر إعادة التوازن من خلال تحالف عربي-أمريكي صاعد، تتوسطه الرياض كقلب نابض للمنطقة الجديدة.
السعودية: مركز الثقل الجديد في الشرق الأوسط
خلال اللقاء الذي جمع ترامب بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تم الإعلان عن حزمة اتفاقيات استثمارية وعسكرية تتجاوز قيمتها 600 مليار دولار، تشمل مشاريع في الذكاء الاصطناعي، مراكز البيانات، وصفقات تسليح متطورة، من بينها صفقة صواريخ أمريكية تقدر بـ3.5 مليار دولار. كما شهدت الرياض منتدى استثمارياً شارك فيه كبار رجال الأعمال الأمريكيين، من بينهم إيلون ماسك، ما يعكس حجم التداخل الاستراتيجي بين الجانبين.
الرسالة هنا واضحة: واشنطن ترى في السعودية حليفاً محورياً، ليس فقط في ملفات الطاقة والدفاع، بل أيضاً في قيادة مرحلة إعادة تشكيل الإقليم.
المحور الإيراني: من التمدد إلى التراجع
في المقابل، تواجه إيران انكماشاً متسارعاً في حضورها الإقليمي. فقد أدى سقوط النظام السوري، أحد أهم أذرع طهران في المنطقة، إلى زعزعة البنية الجيوسياسية التي بنتها إيران منذ 2011. كما تعرضت قيادات مركزية في "حزب الله" و"حماس" لعمليات تصفية أثرت على قدرتهما التعبوية والسياسية. فضلاً عن الضربات التي تلقاها الحوثيين في اليمن والتي جعلتهم خارج الحسابات. أضف إلى ذلك الضربات الإسرائيلية التي استهدفت البنية التحتية العسكرية الإيرانية في أكتوبر 2024، والتي كشفت عن هشاشة النظام الدفاعي الإيراني.
داخلياً، تشهد إيران موجات احتجاج اجتماعي واقتصادي متكررة بفعل تدهور قيمة العملة وتراجع الدعم الروسي والصيني، وهو ما يدفع النظام الإيراني إلى خيارين لا ثالث لهما: إما الانكفاء والقبول بشروط واشنطن، أو المضي في مسار تصادمي ستكون كلفته مدمرة.
مفاوضات تحت الضغط
تشير تقارير دولية إلى أن إيران عادت للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع القوى الغربية، ولكن من موقع أضعف بكثير من السابق. سياسة "الضغط الأقصى" التي أعاد ترامب تفعيلها منذ عودته للرئاسة باتت تؤتي أكلها، حيث تسعى طهران اليوم لتخفيف العقوبات مقابل تنازلات في ملفها النووي، ووقف دعمها لعدد من الجماعات المسلحة في المنطقة.
خريطة جديدة للشرق الأوسط
زيارة ترامب تأتي لتُكرّس واقعاً جديداً: الشرق الأوسط ما بعد 2025 ليس هو ذاته في السنوات السابقة. المحور الإيراني بات محاصراً، بينما تتعزز محورية السعودية كلاعب سياسي وأمني واقتصادي فاعل، ضمن تحالف أوسع يضم دول الخليج والولايات المتحدة. من المتوقع أن تكون لهذه الزيارة تبعات استراتيجية تتجاوز الجغرافيا السياسية، لتطال إعادة تعريف أدوار القوى في ملفات اليمن، والعراق، ولبنان، وحتى أمن الملاحة في الخليج.
خاتمة
في قلب الرياض، بدا ترامب وكأنه يحتفل بما يشبه "يوم النصر"، لا على دولة، بل على مشروع سياسي-عقائدي حاول أن يفرض منطقه بالقوة منذ عقود. واليوم، ومع تآكل نفوذ طهران واضطرارها للتراجع، تتقدم قوى الاعتدال لتعيد رسم ملامح المنطقة على أسس جديدة من الاستقرار والشراكة والتحالف الاستراتيجي