حدادين يرد على احمد عبيدات

عمان1-كتب د. م. منذر حدادين:
نقل إلينا تلفزيون "العربي" الحلقة السادسة من حلقات مقابلته مع دولة الأستاذ أحمد عبيدات رئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية بين 10 كانون الثاني 1984 و 4 نيسان 1985. وسجل خدمة دولته للبلاد حافلٌ منذ تخرجه عام 1961 في كلية الحقوق بجامعة بغداد. ولا يقيّم منصف خدماته منذ تخرجه في الأمن العام وفي المخابرات العامة ثم وزيراً للداخلية في نيسان عام 1982 فرئيساً للوزراء إلا بأحسن عبارات الوصف من إخلاص وتفانٍ ونزوع إلى تأكيد سيادة الوطن.
وما حدا بي إلى الكتابة إليه اليوم هو ما سمعته في الحلقة السادسة والأخيرة من انتقاده لملحق المياه في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، وما يدفعني إلى الكتابة في الموضوع هو قوله في نفس المقابلة أنه بشَرٌ يخطئ ويصيب، ويضيف أن خطأه بحق أي شخص لم يكن مقصوداً. وأطرق هذا الباب لأقول لدولته إنه أخطأ في ما ذهب إليه من نقد لما تمخضت عنه مفاوضات المياه موضوع الملحق رقم 2 للمعاهدة.
في البدء عليّ القول إن حساسية دولته لأي تعامل مع العدو كانت (ولا تزال) مفرطة. ولقد تولى دولته رئاسة الوزراء وكنت حينها رئيساً لسلطة وادي الأردن الذي كان عليها واجب توفير مياه الري لقناة الملك عبدالله لتوزيعها على الوحدات الزراعية. وكان موضوع إسالة مياه من نهر اليرموك إلى القناة محفوفاً بتدخل جزيرة في مجرى النهر تقلل من معدلات التحويل. إذ غدت إسرائيل منذ عدوانها عام 1967 تحتل الضفة المقابلة لنهر اليرموك من مصبه في نهر الأردن غرباً إلى التقاء وادي الرقاد به شرقاً. وأصبحت صيانة منطقة التحويل على نهر اليرموك عند العدسية (منطقة تحويل مياهه إلى قناة الملك عبدالله) من قبل كوادرنا أمراً غير ممكن. وبسبب انعدام الصيانة تشكلت في مجرى النهر في منطقة التحويل جزيرة تعلوها نباتات برية أخذت في الامتداد في المجرى حتى تعرضت لتحويل المياه إلى نفق القناة. وازداد تأثير ذلك ازدياداً مؤثراً بحلول صيف عام 1979 وهو ما حدا بنا إلى طلب اجتماع لهيئة الرقابة الدولية/ لجنة الهدنة المشتركة في حزيران 1979. وحيث أن إسرائيل ألغت وجود لجنة الهدنة المشتركة لديها بعد حرب 1967، عمدنا إلى الاستعانة بوكالة الإنماء الدولي الأميركية التي مولت مشروع قناة الغور الشرقية منذ 1958 وما زالت في السبعينات من القرن الماضي. وهكذا كانت تعقد الاحتماعات برئاسة هيئة الأمم المتحدة ومشاركة الطرفين الأردني والإسرائيلي بموجب اتفاقية الهدنة عام 1949.
وأوجبت هذه المواجهات علينا أن نتعمق في فهم الشروط والإلتزامات التي ترتبت علينا جراء تنفيذ مشروع قناة الغور الشرقية. وكانت بدأت الاتصالات مع الولايات المتحدة لأجل بناء القناة واستعدت الولايات المتحدة بتقديم التمويل اللازم (على شكل منح) بشرط "ألا تسحب المملكة الأردنية الهاشمية من نهر اليرموك مياهاً أكثر مما خصصته لها الخطة الموحدة لتطوير وادي الأردن". وافق الأردن على ذلك الشرط بكتاب وزير الخارجية للقائم بالأعمال الأميركي رقم 58/14/6719 بتاريخ 25 شباط 1958.
ويقودنا هذا إلى الخطة الموحدة لتطوير وادي الأردن، فهي الخطة التي خلص إليها وفد الولايات المتحدة الأميركية لاقتسام مياه حوض الأردن بالتفاوض بين الوفد برئاسة أيريك جونستون مع لجنة فنية شكلتها جامعة الدول العربية في ديسمبر عام 1953 وانضم إلى عضويتها الأردن في نيسان 1954 من جهة وتفاوضه حول نفس الموضوع مع لجنة إسرائيلية. أما اللجنة الفنية لجامعة الدول العربية فكانت برئاسة مصرية (الدكتور المهندس محمد أحمد سليم ومعه المهندس إبراهيم فرج، ومندوب سوريا الدكتور صبحي مظلوم، ومندوب لبنان المهندس إبراهيم عبدالعال) ثم انضم اليهم في نيسان 1954 كل من الأستاذ حمد الفرحان ومعه المساح عزالدين يونس عن الأردن.
وافقت اللجنة الفنية العربية على مضض على الخطة الموحدة في أيلول عام 1955 ورفعت موافقتها إلى الجامعة العربية. لكن مجلس الجامعة وبتحريض من الوفد اللبناني والوفد السوري طلب تأجيل البت في الخطة واعترضا على التعاون مع إسرائيل بموجبها قبل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وأخرج وزير خارجية لبنان السيد سليم لحود عام 1956 من جعبته فكرة تنفيذ الخطة الموحدة على مراحل بدءاً بالمشروع الأردني قناة الغور الشرقية، وهكذا كان. وتم إنشاء القناة حتى تجاوزت نهر الزرقاء وأصبحت الرقعة الزراعية المروية في وادي الأردن 115 ألف دونم حين اندلعت حرب 1967.
وسنحت لي فرص للتعمق في مهمة بعثة إيريك جونستون وتفاصيل المحادثات، وغدوت أعرف عنها وعن موقف إسرائيل والولايات المتحدة أكثر مما كان يعرف المندوبون من كلا الدولتين إلى مفاوضات السلام في الشرق الأوسط.
وحملت ملف المياه والبيئة والطاقة في المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والأردن، وترأست الوفد الأردني إلى مجموعة عمل المياه في المفاوضات متعددة الأطراف. وخلصت بالتفاوض الشديد إلى:
1. تحديد حصة إسرائيل من نهر اليرموك بما وافقت عليه اللجنة الفنية لجامعة الدول العربية وهي 25 م م م سنوياً في الوقت الذي كانت تصر فيه إسرائيل أن حصتها هي 40 م م م سنوياً.
2. تبادل المياه بحيث تضخ إسرائيل ما أقصاه 20 م م م في الشتاء من فيضان نهر اليرموك مما سيذهب هباءً مقابل أن تسيل إسرائيل للأردن كمية 20 م م م من المياه من بحيرة طبريا صيفاً.
3. الحصول على نصيب إضافي للمملكة الأردنية الهاشمية مقداره 50 م م م سنوياً وهو ما لم تحتويه الخطة الموحة.
4. تبادل المياه بسقف مقداره 10 م م م سنوياً تسال للأردن من بحيرة طبريا مقابل السماح لإسرائيل بضخ سقف مماثل من الأراضي الأردنية في وادي عربة.
5. الحصول بالتفاوض الشديد عام 1998 على سعة تخزينية في بحيرة طبريا مقدارها 60 م م م لتخزين الفائض عن حاجتنا من فيضان نهر اليرموك، وتعيد إسرائيل للأردن ما يتم تخزينه دون خصم أي جزء منه بفعل التبخر.
ولدي رغبة في سؤال دولة الرئيس أحمد عبيدات: أليس مدعاة للتفاخر بما احتوته معاهدة السلام من أنصبة للأردن تجاوزت ما خصصته له الخطة الموحدة التي وافقت عليها لجنة جامعة الدول العربية عام 1955؟ وقد تخلل الفترة بين الحدثين حرب السويس عام 1956 وهزيمة 1967 ثم حرب تشرين 1973 وغزو لبنان (1978- 1983) والحرب العراقية الأيرانية (1980- 1989) ثم غزو الكويت. ومعظم هذه الأحداث زادت إسرائيل قوة على قوة؟.
وتجدر الإشارة إلى اعتراض دولة الرئيس عبيدات على نصوص الاتفاق مدعياً أن إسرلئيل استطاعت تثبيت أنصبتها في النص على أنها حقوق بينما لم يثبت الأردن أنصبته على أنها حقوق. وهنا أقول إن الأنهار الدولية يشترك في استعمال مياهها المتشاطئون على تلك الأنهر. وفي وضعنا مع إسرائيل نهران دوليان هما اليرموك ونهر الأردن. ويشترك في استعمال اليرموك سوريا وإسرائيل والأردن (بضفتيه عام 1955) كما يشترك في استعمال مياه نهر الأردن كل من لبنان (مشاطئ على رافد الحاصباني) وسوريا (مشاطئه على رافد بانياس وعلى مجرى الأردن) والأردن (الضفة الغربية) وإسرائيل (داخلها رافد الدان وبحيرة طبريا وهي متشاطئة على مجرى النهر) .
وتخصص الخطة الموحدة أنصبة محددة للمتشاطئين تاركة طرفاً واحداً خصصت له ما يتبقى من تصريف النهر بعد ما تخصص لشركائه أنصبتهم. والطرف صاحب ما يتبقى من مياه النهر كان الطرف المستعمل الأخير لمياه النهر لوقوع أراضيه في الحبس الأسفل. وهي في حالتنا المملكة الأردنية على نهر اليرموك ثم إسرائيل على نهر الأردن. وتفاصيل الأنصبة من نهر اليرموك هي:
سوريا: 90 م م م سنوياً
إسرائيل 25 م م م سنوياً
المملكة الأردنية الهاشمية: ما يتبقى من مياه النهر بعد الأنصبة أعلاه.
وتصريف نهر اليرموك التاريخي يبلغ 467 م م م سنوياً يضاف إليه مياه تعود للنهر بعد الاستعمال السوري بواقع 39 م م م ليصبح مجموع تصريفه السنوي 506 م م م. يذهب منها للتبخر 14 م م م سنوياً ليتبقى للاقتسام 492 م م م. فإذا تحددت حصة سوريا ومعها إسرائيل بما مجموعه 115 م م م سنوياً من اليرموك يبقى للأردن 377 م م م سنوياً. منها 296 م م م للضفة الشرقية و 81 م م م للضفة الغربية.
وبالتطبيق الفعلي لاقتسام مياه اليرموك نجد أن إسرائيل ملتزمة بحصتها أعلاه، لكن سوريا تجاوزت بمراحل قيمة حصتها على حساب الحصة الأردنية والحصة الفلسطينية. فمشكلتنا في اقتسام مياه النهر هي مع سوريا وليس مع إسرائيل.
واستطعنا في المفاوضات على تخصيص 50 م م م مياهاً للأردن سنوياً تزيد على ما خصصته له الخطة الموحدة بعد كل المواجهات الساخنة في المنطقة. ويستلم الأردن منها 25 م م م سنوياً من بحيرة طبريا وما زال ينتظر ال 25 م م م الباقية بإنشاء محطة تحلية عند بيسان. والعتب على سلسلة المسؤولين الأردنيين عن تنفيذ بنود المعاهدة منذ العام 1998. كما استطعنا الحصول على سعة تخزينية في بحيرة طبريا مقدارها 60 م م م واستطعنا تبادل المياه كما أسلفنا.
ثم لا بد لي من التنويه إلى أن إشارة المعاهدة في مادتها رقم 9 إلى أن إسرائيل، وبموجب إعلان واشنطن، تحترم الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية حيال الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس. وستعطي إسرائيل أولوية عالية للدور الأ{دني التاريخي حيال هذه الأماكن في مفاوضات الوضع النهائي. ويعترض دولة الأستاذ أحمد عبيدات على هذا النص بالقول إنه لا مضمون له. والدور الأردني الخاص منصوص عليه في قرار فك الارتباط عام 1988، ونال حيزاً من إعلان واشنطن في 25 تموز 1994 إثر الاجتماع الثلاثي الذي ضم جلالة المغفور له الملك الحسين وإسحق رابين والرئيس الأميركي بيل كلنتون. ولم يعترض دولته على مضمون إعلان واشنطن حين صدر وكان دولته عضواً في مجلس الأعيان الأردني.
وبعد، أتستحق الحقائق أعلاه نقداً أم مدحاً من لدن دولته؟ مع خالص التحيات. المصدر عمون