تحذير: المالح قد يقودك للزهايمر

عمان1:الزهايمر داء يصيب المخ ويتطور ليفقد الإنسان ذاكرته وقدرته على التركيز والتعلم، وقد يتطور ليحدث تغييرات في شخصية المريض، فيصبح أكثر عصبية أو قد يصاب بالهلوسة أو بحالة من حالات الجنون المؤقت.
ولا يوجد حتى الآن علاج لهذا المرض الخطير، إلا أن الأبحاث في هذا المجال تتقدم من عام لآخر، كما أثبتت أن العناية بالمريض تؤدي إلي أفضل النتائج مع الأدوية المتاحة، وهذا الداء أطلق عليه اسم العالم الألماني ألويسيوس ألْتْسْهَيْمَر (بالألمانية: Aloysius Alzheimer).
يعد الزَهايْمَر مرض خرف الشيخوخة –، وهو الذي قضى على الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان–وهو من أكثر الأمراض شيوعاً، وإثارة للقلق مع تقدم الناس في السن، خاصة في غياب أي عقار شافٍ للقضاء عليه، والسيطرة على عملية التدمير التي يسببها للذاكرة.
وتقدر جمعية الزهايمر الأميركية، أن هناك قرابة أربعة ملايين أميركي مصاب بالمرض، مع احتمال تصاعد العدد، كما تتوقع هذه الجمعية، أن يصل العدد إلى 14 مليون مصاب في أميركا منتصف القرن الحالي، في حال لم يتم إيجاد علاج له.
الجديد هو ما قام به فريق بحثي أميركي الذي كشف أن اتباع نظام غذائي غني بالملح قد يؤثر سلبًا على الوظائف الإدراكية للدماغ، عن طريق التسبُّب في نقص «أكسيد النيتريك»، وهو مركب حيوي يسهم في الحفاظ على صحة الأوعية الدموية في المخ.
ملح الطعام أو كلوريد الصوديوم، كما يعرف علميًا، يتحول إلى «سم أبيض» إذا زاد عن الحد المسموح به، ويعجّل بالإصابة بمرض القلب القاتل الأول في العالم، وأمراض القلب تُودي بحياة 17.3 مليون شخص سنويًّا، ويُتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 23 مليونًا بحلول 2030.
خمسة جرامات فقط هي الكمية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية للفرد يوميًّا، وهي كمية إذا التزم الأشخاص بها، يمكن تفادي ما يقدَّر بـ2.5 مليون حالة وفاة سنويًّا حول العالم.
علاقة الملح الزائد بأمراض القلب والأوعية الدموية وضغط الدم المرتفع معروفةٌ منذ عقود، لكن الجديد هو علاقة الملح بالخرف، وهو ما أثبتته نتائج دراسة حديثة ربطت بين تراجُع القدرات العقلية، والملح، حيث كشف باحثون بكلية طب «وايل كورنيل» الأميركية، في دراسة نُشرت مؤخرًا في دورية «نيتشر»، أن تجنُّب الإفراط في تناول الملح والحفاظ على صحة الأوعية الدموية قد يساعد في تَراجُع الأمراض الوعائية والعصبية التي تكمن وراء إصابة كبار السن بالخرف.
أبحاث تأثير الملح على وظائف الدماغ، بدأها فريق جامعة «وايل كورنيل» في 2018، وتوصلوا في دراسة أُجريت على الفئران إلى وجود علاقة بين القناة الهضمية والمخ، بحيث تؤدي نوعية الغذاء إلى رد فعل مناعي في الجهاز الهضمي، يحفز حدوث نقص في انسياب الدم في المخ، واضطراب في الأوعية الدموية للخلايا العصبية، وضعف في الإدراك.

الأطعمة المالحة تقلل من تدفُّق الدم في المخ، وتسبب خللًا في الخلايا البطانية للأوعية الدموية في الدماغ مما يقود إلى حدوث التهابات تحرم الدماغَ الأكسجينَ وتضر الخلايا العصبية، ما يرفع من احتمالات حدوث المشكلات السلوكية والعقلية.
التجارب كانت على فئران وبناءً على هذه النتائج توصل فريق البحث -الذي يقوده الباحثان «كوستانتينو إديكولا» و«جوسيبي فراكو» في معهد أبحاث الدماغ في كلية طب «وايل كورنيل»،–إلى نظرية مفادها أن الملح قد يسبب الخرف لدى الفئران؛ لأنه يسهم في تقييد تدفق الدم إلى المخ، وبالتالي تجويعه بشكل أساسي، لكن عندما واصلوا أبحاثهم على الفئران، أدركا في دراستهما الجديدة أن تقييد تدفق الدم لم يكن شديدًا بما يكفي لمنع الدماغ من العمل على نحوٍ صحيح، وهناك سبب آخر لهذه العلاقة.
اعتمدت الدراسة على مراقبة مجموعتين من الفئران، تناولت الأولى أغذيةً غنيةً بالملح، أما الثانية فتناولت أطعمةً معتدلة، لا تحتوي على نسب مرتفعة من ملح الطعام. ووجد الباحثان أن اتباع نظام غذائي غني بالملح قد يؤثر سلبًا على الوظائف الإدراكية للدماغ، عن طريق التسبُّب في نقص «أكسيد النيتريك» (Nitric Oxide)، وهو مركب حيوي يسهم في الحفاظ على صحة الأوعية الدموية في المخ. باختصار شديد زيادة الملح تسبب نقصاناً في اكسيد النتريك، وعندما تكون مستويات «أكسيد النيتريك» منخفضةً للغاية، تحدث تغييرات كيميائية تسبب خللًا في نس? «بروتين تاو (Tau Protein)» في المخ.
و«بروتينات تاو» هي بروتينات تساعد على استقرار الأوعية الدموية الدقيقة في الخلايا العصبية بالجهاز العصبي المركزي، وتُسهم في بناء الهيكل الخلوي الذي يقوم بنقل المواد الغذائية عبر الخلايا العصبية لدعم وظيفتها وصحتها.
وعندما تصاب هذه البروتينات بخلل، تفقد وظيفتها، وبالتالي لن تتمكن من توفير الاستقرار للأوعية الدقيقة في الخلايا العصبية بالشكل صحيح، وبالتالي يصاب المريض بأمراض مرتبطة بالجهاز العصبي، أبرزها الزهايمر والخرف.

آلية تأثيره على المخ

كشفت الدراسة الجديدة أن اتباع نظام غذائي غني بالملح يؤدي إلى ضعف إدراكي، لا ينتج عن تقييد نسبة الأكسجين الواصلة إلى الدماغ، ولكن بسبب اختلال نسب «تاو بروتين»، الذي يؤثر على الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ.و أن الحد من تناوُل الملح لدى الفئران يقلل من خطر الخرف، ولكن هذه النتيجة ما تزال بحاجة إلى تأكيد، فيما يتعلق بالبشر، ما يحتاج إلى إجراء تجارب سريرية، في وقت لاحق.

النتيجة الرئيسية لهذه الدراسة هي ظهور علاقة بين النظام الغذائي الغني بالملح و«بروتين تاو». بالإضافة إلى ذلك، ترصد الدراسة الآليات التي تؤدي إلى ضعف إدراكي في وظيفة الأوعية الدموية الدماغية.
وفي جميع الحالات الملح والسكر عدوّان اذا ما زادا عن المعدل الطبيعي والملح الزائد من خلال نتائج الدراسة يدق ناقوس الخطر على صحة الدماغ.
أكسيد النيتريك الذي يتناقص في الدماغ بسبب زيادة تناول ملح الطعام، يعتبر من مضادات الأكسدة، وهي مواد ذات أهمية للجسم؛ لأنها تمنع تلف الأنسجة والخلايا، ويزداد تأثير ذلك في المخ؛ إذ ينذر نقصانه بتلف الأنسجة المهمة في المخ، ويعجل بظهور أمراض الشيخوخة بشكل مبكر، وأبرزها الخرف أو العته (Dementia).
كما أن الملح الزائد يعجل أيضًا بظهور مادة «أميلويد بيتا»، وهي عبارة عن مادة بروتينية تتراكم بصورة مَرَضيّة بين الخلايا، وتشكل تصلبات في خلايا المخ، ومصدرها «الجليكوبروتين» (glycoprotein)، وهو بروتين سكري موجود في جدران الخلايا، ويعتبر الملح أحد الأسباب الرئيسية لزيادة مستوياته.
وتشمل العلامات البيولوجية لمرض الزهايمر، التراكم المفرط للويحات لزجة وسامة في الدماغ، تسمى بروتين «أميلويد بيتا»، يظهر أثرها في سوائل العمود الفقري، وتتراكم تلك السوائل في الدماغ، قبل عقود من ظهور أعراض المرض، الذي يسبب فقدان الذاكرة، ومشكلات في الإدراك.
وعلى الرغم من أن «الأميلويد بيتا» مضاد للميكروبات، إلا أن التراكمات المفرطة منه وتشكيل اللييفات fibrils، تجلعه ذا تأثيرات ضارة عندما لا تُنظم بشكل صحيح. ويُعَد بروتين «أميلويد بيتا» عنصرًا أساسيًّا للترسبات التي يُعثر عليها في أدمغة مرضى الزهايمر.
«أميلويد بيتا» لا يظهر في المخ فقط، لكنه قد يتشكل أيضًا في أجزاء معينة من القلب، ويقود إلى أمراض منها الذبحة الصدرية الناجمة عن انخفاض تدفق الدم إلى القلب، بالإضافة إلى السكتة القلبية.
إن الملح لا يشكل ضررًا بالغًا على المخ فقط، لكن أضراره تسبب جملةً من الأمراض، على رأسها زيادة ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى زيادة معدلات الدهون في الأوردة والشرايين القلبية، ما يسبب جلطات القلب، كما أنه يسبب هشاشة العظام، وأضرارًا للأسنان.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يمكن تقليل استهلاك الملح في المنزل عن طريق عدم إضافة الملح أثناء تحضير الطعام، وعدم وضع إناء له على المائدة، والحدّ من استهلاك الوجبات الخفيفة المملّحة، والوجبات السريعة، واختيار منتجات ذات محتوى أقل من الصوديوم.

زر الذهاب إلى الأعلى