التهجير مستمرّ .. وزارة الحرب الإسرائيليّة تُفعِّل شركاتٍ وهميةٍ لاصطياد الغزيين
عمان1:كشفت صحيفة (هآرتس) الصهيونيّة في تحقيقٍ استقصائيٍّ النقاب عن أنّه في الأشهر الأخيرة، انطلقت عدة رحلاتٍ جويّةٍ مستأجرةٍ من مطار رامون قرب إيلات، تقلّ عشرات الغزيين إلى وجهاتٍ متعددةٍ حول العالم، لافتةً أنّ مغادرة هذه المجموعات من غزة نُظمت من قِبَل منظمة مجهولة، يُشير موقعها الإلكتروني إلى أنّها (منظمة إنسانيّة متخصصة في مساعدة وإنقاذ المجتمعات المسلمة من مناطق الحرب).
من هو صاحب شركات التهجير؟
ويُظهر التحقيق أن تومر جانار ليند، الذي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والإستونية، هو مَنْ يقف وراء هذه المنظمة، المسماة (المجد). وكانت آخر مجموعة غادرت غزة، والتي ضمت 153 غزيًا، قد انطلقت إلى نيروبي على متن طائرة مستأجرة من شركة (فلاي يو)، موضحةً أنّ الركاب لم يكونوا على علم بالبلد الذي كانوا متجهين إليه. ومن نيروبي، سافروا على متن رحلةٍ مستأجرةٍ من شركة (ليفت) الجنوب أفريقية، وهبطوا في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا، وأجّلت السلطات في جنوب أفريقيا إنزالهم لأكثر من 12 ساعة، مدّعيةً وصولهم دون أوراقٍ ثبوتيّةٍ، ودون تذكرة عودة، ودون ختم جوازات سفرهم عند مغادرتهم إسرائيل.
وتابعت: “بعد تفتيش مطوّل، رضخت السلطات وسمحت للغزيين بدخول البلاد، ووفقًا لشهادات الركاب، ومن بينهم عائلات وأطفال صغار، لم يُقدّم لهم الماء أو الطعام أثناء انتظارهم، وكانت الظروف داخل الطائرة صعبة للغاية، وأفاد بيان صادر عن السفارة الفلسطينية في جنوب أفريقيا أنّ “مغادرة المجموعة دبرتها منظمة غير مسجلة ومضلّلة استغلت الوضع الإنساني المأساوي في غزة، واحتالت على العائلات، وأخذت أموالهم، ونقلتهم جوًا بطريقة غير منظمة وغير مسؤولة، ثم تنصلت تمامًا من مسؤوليتها عن التعقيدات التي نتجت عن ذلك”.
وزارة الحرب الإسرائيليّة كلّفت الجمعية بتهجير الفلسطينيين
وعلمت الصحيفة أنّ مديرية الهجرة الطوعية، المُنشأة في وزارة الحرب، كلفت الجمعية بتنسيق مغادرة سكان غزة مع منسق أعمال الحكومة في المناطق. وفي آذار (مارس) من العام الماضي، قرر المجلس الوزاري الأمني المصغر للشؤون السياسية إنشاء المديرية بهدف تسهيل إجراءات مغادرة سكان غزة للقطاع.
ومع ذلك، لا يُعرف الكثير عن أنشطة المديرية، التي يرأسها نائب المدير العام لوزارة الدفاع، كوبي بليتشتاين. ووفقًا للصحيفة، أُحيلت منظمات أخرى حاولت تنظيم عمليات إجلاء سكان غزة من قطاع غزة إلى مديرية اللاجئين، ولكن باءت جهودها بالفشل.
موقع (المجد).. المخفي أعظم
ويُشير موقع (المجد) الإلكتروني إلى أنّ المنظمة تأسست عام 2010 في ألمانيا، وأنّ مكاتبها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية. ومع ذلك، يُظهر تحقيق (هآرتس) أنّه لا توجد منظمة بهذا الاسم مُسجلة في ألمانيا أو القدس الشرقية، وأنّ موقعها الإلكتروني لم يُنشأ إلّا في فبراير من هذا العام. لا يحتوي موقع المنظمة الإلكتروني على أيّ معلوماتٍ تعريفيّةٍ عن مديريها، لكن نسخة قديمة منه كشفت عن شعار شركة مسجلة في إستونيا، تُدعى (تالنت غلوبس). تُفصّل صفحة على الموقع “شروط الهجرة الطوعيّة من قطاع غزة”، والتي تنص صراحةً على أنّ (تالنت غلوبس) هي الجهة المنظمة للمجموعات.
رقم هاتف غير صحيح وعناوين في إستونيا ولندن وقطر
ووفقًا للموقع، تعمل الشركة ظاهريًا في مجال الاستشارات وتجنيد الموظفين، لكن الموقع يعرض صورًا عامة جُمعت من الإنترنت، ورقم هاتف غير صحيح، وعناوين في إستونيا ولندن وقطر. ويُظهر بحث في سجل الشركات الإستونية أنّ (تالنت غلوبس) تأسست قبل عامٍ على يد تومر جانار ليند. ووفقًا لسجل الشركات في إنجلترا، أسس ليند أربع شركات في العقد الماضي. ثلاثة منهم لم يعودوا نشطين. وفقًا لوثائق الشركة، وُلِدَ هذا الشخص عام 1989، ويحمل الجنسيتين الإسرائيلية والإستونية.
في اتصال مع صحيفة هآرتس على رقم هاتفه في لندن، لم ينكر ليند تورطه في تنظيم مغادرة سكان غزة، لكنه رفض تحديد الجهة التي تقف وراء هذه المنظمة، وقال: “لا أرغب في التعليق في هذه المرحلة، ربما لاحقًا”.
كيف يعمل الموقع؟
انتشر عنوان موقع (المجد) الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي في غزة خلال الأشهر الأخيرة، ويدعو الموقع الفلسطينيين الراغبين في مغادرة القطاع إلى ملء بياناتهم، وقد قدّم الكثيرون منهم بالفعل طلبًا للمغادرة، وعلمت الصحيفة أنّه بعد الحصول على الموافقة المبدئية، يتلقى كل مرشح للمغادرة تعليمات بتحويل مبلغ مالي إلى المنظمة – يتراوح بين 1500 و2700 دولار أمريكي، ثم يُضاف المرشح إلى مجموعة واتساب، حيث تُرسل إليه التحديثات قبل المغادرة، ويتم التواصل بين الجمعية والغزيين فقط عبر رسائل واتساب، من رقم هاتف محمول يبدو أنه إسرائيلي.
وغادرت المجموعة الأولى، وقوامها 57 غزيًا، قطاع غزة في 27 مايو/أيار. وفي الليلة التي سبقت مغادرتهم، تلقى عشرات الفلسطينيين رسالة واتساب تحتوي على عنوان دقيق في قطاع غزة، حيث كان عليهم التوجه، ومن هناك، اتجهوا بالحافلة إلى معبر كرم أبو سالم، وبعد تفتيشٍ إسرائيليٍّ، غادرت القافلة إلى مطار رامون، حيث استقل الغزيون طائرة مستأجرة من شركة (فلاي ليلي) الرومانية، التي توجهت إلى بودابست، ومن هناك واصل الركاب رحلتهم إلى إندونيسيا وماليزيا.
وغادرت المجموعة الثانية، وقوامها 150 فلسطينيًا، في 27 أكتوبر (تشرين الأول)، وكانت العملية مماثلة، غادرت ثلاث حافلات وسط قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم. وفي صور من المعبر حصلت عليها (هآرتس)، شوهد العديد من الغزيين يرتدون قمصان وقبعات المجد. وهذه المرة، انطلقوا على متن طائرة مستأجرة من شركة (فلاي يو) الرومانية إلى نيروبي، عاصمة كينيا، وفي نيروبي، نُقلوا إلى طائرةٍ مستأجرةٍ من شركة (ليفت)، التي نقلتهم إلى جوهانسبرغ، على عكس رحلة هذا الأسبوع، سُمح للغزيين بدخول البلاد دون أي مشاكل، وقد نشر العديد منهم منذ ذلك الحين منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر حياتهم الجديدة هناك.
جيش الاحتلال: التنسيق مع الدول التي تستقبِل اللاجئين يتّم مُسبقًا
وأفاد الجيش للصحيفة أنّ تنسيق مغادرة سكان غزة يتم عادةً من قِبل السلطات الإسرائيلية مع الدول التي تستقبل اللاجئين (عادةً ما يكونون مواطنين مزدوجي الجنسية أو طلابًا حاصلين على تأشيرات دراسية) أوْ مع منظمة الصحة العالمية، المسؤولة عن إجلاء الجرحى والمرضى وتوزيعهم على الدول المضيفة. وأضاف أنّه في حالاتٍ نادرةٍ، يتم التنسيق من خلال جهاتٍ خارجيةٍ، ولكن حتى في هذه الحالات، تتأكد إسرائيل من وجود دولة مستعدة لاستقبال جميع سكان غزة.