كيف استغلّ المُتظاهرون العِراقيّون جبَل أُحد؟

عمان1:فيما تبدو الأنباء القادمة من العِراق شَحيحةً، ومُتضاربةً، حول حقيقة ما يجري خلال التّظاهرات المَطلبيّة التي دخَلت شهرها الثّاني وعمّت ساحات البِلاد، مع إعلان النّشطاء السبت دعوتهم إلى إضرابٍ عام يبدأ اليوم الأحد حتى إشعارٍ آخر، تتجدّد المخاوف من إقدام السّلطات على استخدام العُنف، والذي يقول مُعارضون للسّلطة إنّه كانَ مُفرِطاً ودمَويّاً.
وبالرُّغم من تعنّت السلطات، وتعاملها بعُنف مع المُتظاهرين الذي وصل إلى حد نشر قنّاصة، وتحوّل ساحة التحرير في بغداد موقع التجمهر أشبه بساحة حرب، يُنقل فيها الجرحى على وقع أصوات الرصاص، كما ينقل نشطاء، إلا أنّ البيانات المُوزّعة عبر منصّات التواصل الاجتماعي، تُؤكّد على لسان المُحتجّين أن لا تراجع عن ساحات الاحتجاج إلا بتحقيق “التّغيير الكامل”.
يُحمِّل المُتظاهرون الرّئاسات الثّلاث المَسؤوليّة أمام كُل ما يجري، وتحديداً سُقوط قتلى وجرحى بالتّظاهرات، ثمّة من يقول إنّ هُناك تدخّلات خارجيّة، تهدف إلى القضاء على النفوذ الإيراني في البلد النفطي، مَقولةٌ قد لا تتناسب على الأقل مع المُتظاهرين الذين خرجوا للمُطالبة بمعيشةً أفضل، وفرص عمل، ومُحاربة الفساد، وهُم ذاتهم الذين رصَدتهم عدسات الكاميرات، وهُم يُقدمون على حرق الرّموز الإيرانيّة، ويُحمّلونهم المَسؤوليّة عن تردّي الوضع المعيشي، والفساد، بل ويعتقد البعض منهم بأنّ الوضع أسوأ مُقارنةً مع عهد الرئيس الراحل صدام حسين، ويُتداول نُشطاء بعض مقاطعه فيديو، يجري فيها استذكار أغاني وطنيّة كانت قد راجت أيّام الحرب بين العِراق، وإيران، وبثها التلفزيون العراقي في حينها لرفع معنويّات الجيش العِراقي.
الأمن العِراقي، لم يتوان كما يُوثّق نشطاء عبر أجهزتهم المحمولة مُنذ الأيّام الأولى، استخدام قنابل مُسيّل للدموع لتفريق المُتظاهرين، وهو ما أدّى ويُؤدّي حتى كتابة هذه السّطور إلى اندلاع مُواجهات بين المُتظاهرين وقوى الأمن، وعلى إثره يسقط جرحى، وقتلى، وقد تكون ردّة الفِعل الرسميّة على التظاهرات من قبل سلطة العِراق هي الأعنف، إذا ما قورنت بشبيهاتها فيما بات يُعرف بالنّسخة الثانية من الربيع العربي التي أطاحت برؤوس أنظمة الجزائر، السودان، وحكومتيّ الأردن، ولبنان.
في التّقييم الأوّلي للتّغطيات الإعلاميّة، فَشِلت وسائل إعلام عِراقيّة محليّة، بنقل صورة مُحايدة تنقل حقيقة ما حصل، دون إضافة “بهارات” تخدم أجنداتها السياسيّة، وفي غالبيّة التغطيات كانت قد رصد غِياب النقل المُباشر للأحداث، وهو ما دفع بالعِراقيين، وغير العِراقيين إلى الاعتماد على وسائل إعلام عربيّة وأجنبيّة، حيث لجأت بعضها إلى التركيز على المطالب الشعبيّة العِراقيّة التي تدعو إلى طرد النّفوذ الإيراني من البلاد، في المُقابل وجّه مرشد الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة السيّد علي خامنئي للسعوديّة اتّهامات بالتدخّل لدعم التّظاهرات في العِراق، وهي ذات الاتّهامات التي وجّهها أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله للمُتظاهرين حين اتّهم بعضهم بتلقّي دعم سفارات أجنبيّة لم يُسمّها، وإن كان أيّد كذلك مطالب ما أسماهُ بالحِراك الشعبي.
وبناءً على ما تقدّم، يُمكن تقديم مشاهد عديدة رصدت لتظاهرات العِراق التي تدخل شهرها الثّاني، مُطالبةً برحيل رئيس الوزراء العِراقي عادل عبد المهدي، كالآتي:
تصدّر بين المُتظاهرين العِراقيين، ما عُرف باسم “جبل أحد”، وهو عبارة عن مطعم تركي مهجور في ساحة التحرير، حوّله المُتظاهرون إلى أشبه بغُرفة عمليّات ومُراقبة، وهو مبنى مُرتفع كانت الأجهزة الأمنيّة قد اتّخذت منه مكاناً لقنص المُتظاهرين، وكان أسماه المُتظاهرون بجبل أحد، للدلالة على أهميّته، حيث كان موقع المُسلمين في المعركة الشهيرة، لكن هذا المبنى حمل هذا الاسم، لتحذير المُتظاهرين من تحرّكات الأمن، وهو مبنى شُيّد في الثمانينات، وتعرّض للقصف في التسعين تُرِك من بعده، وهو المبنى الذي اضطر المُتظاهرون إلى عدم إخلائه، وهو يطل على ساحة التحرير الشهيرة، ويستخدمه المُتظاهرون لرصد حركة آليّات الأمن على الأرض ضدهم، فيما تنقسم إلى مُناوبات ليلاً ونهاراً.
مشهد لافت آخر، أحد الشبّان العِراقيين، من الذين فقدوا إحدى عينيه، حمل لافتة يقول فيها إنّ عينيه فدى الوطن، مُناشداً المُتظاهرين عدم التّراجع.
الحضور النسائي في التظاهرات كان ضعيفاً في البداية، لكن نساء العراق “الماجدات” قرّرن المُشاركة بكثافة، ورسمن العلم العراقي على وجوههن، وساهموا في مُداواة الجرحى، وتقديم مياه الشرب، والطعام، لكن جهة غامضة حاولت التعرّض لسمعتهن، وشرفهن، والتّشكيك في حقيقة أهدافهن، لثنيهن عن الحُضور للسّاحات، فيما تنوّعت الحاضرات بين المُحجّبات، وغير المُحجّبات.
أمام ضعف التغطية الإعلاميّة المحليّة، اضطر المُتظاهرون، إلى استخدام منصّات التواصل الاجتماعي على اختلاف منابرها، وتوثيق مشاهد “ثورتهم” السلميّة على حد وصفهم، واستخدام خدمة البث المُباشر خلال التظاهرات، ونقل حقيقة ما يجري، فيما لجأ آخرون إلى استخدام اللغة الإنجليزيّة كخيار أوسع للتغطية والنقل، حتى يعرف العالم حقيقة ما يجري معهم بالكامل.
العِراقيّون، يُعرف عنهم الثقافة الواسعة، واطّلاعهم على جميع حقول المعرفة، ولذلك حرص المُتظاهرون على إنشاء مكتبة التحرير في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد، وفيها كما تظهر صور يظهر بائع كتب يضع بجانبه بسطة كتب مُنوعّة، جرى تبادلها بين المُتظاهرين، للدّلالة على سلميّة المطالب، وحُقوق المُحتجّين، الذين قوبلوا كما يقولون بالحديد والنّار.
العِراقيّون كذلك، وعلى طريقة أشقائهم “الثوّار” في كل بلاد الثورات العربيّة، افترشوا السّاحات، واختاروا عدم العودة لمنازلهم حتى تحقيق مطالبهم المشروعة.
كان لافتاً، ترديد مطلب رغبة المُتظاهرين، بعودة رئيس واحد يحكم البلاد على شاكلة النظام العراقي السابق، وأنهم باتوا لا يُؤمنون بنظام ديمقراطي، قائم على المُحاصصة الطائفيّة والدينيّة، ولعلّه مطلب تشابه مع مطلب اللّبنانيين، الذين طالبوا بإسقاط النظام الطائفي في بلادهم على مدار 13 يوماً مُتواصلة.
إيران ورموزها، كانت الأكثر حُضوراً في الساحات، حيث أقدم المُتظاهرون على حرق صور بعينها، وطالبوا بكف يدها وتدخّلها في بلدهم الذي من المُفترض أن يكون غنيّاً بموارده النفطيّة، وغير النفطيّة، كما طالبوا بُمقاطعة المُنتجات الإيرانيّة التي تُغرق السوق العِراقيّة ضمن حملات افتراضيّة دعا لها ناشطون.
تحوّل سائقو عربة “التوكتوك” (وسيلة نقل مُتواضعة) إلى أبطال في العِراق، وذلك على وقع مُشاركتهم، وتضحياتهم في نقل الجرحى المُصابين في السّاحات إلى المُستشفيات “مجّاناً”، وتضحياتهم تحت وابل من الرّصاص المطّاطي، والقنابل المُسيّلة للدموع، فيما تضامن معهم فنانون على طريقتهم، وأصدر الفنان العِراقي حسام الرسام أغنية لهم، وصفهم فيها بالأبطال.
تضاربت الأنباء حول حقيقة إقدام قوّة أمنيّة على مُحاصرة منزل رئيس الوزراء العِراقي السابق حيدر العبادي، من قبل قوّة تابعة لحماية رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي، وهو ما اعتبره اللواء عبد الكريم خلف المتحدث باسم قائد القوات المُسلّحة معلومات غير دقيقة، وهو موقف وضعه البعض في إطار الكيل بمكيالين لتحقيق أهداف سياسيّة، وهو ما تم توصيفه ضمن سياسة اتّبعها عبد المهدي أو من خلفه في التعامل مع عقارات الدولة، وإيحاء بمُصادرتها، بعد اتّهامات وجّهها مُتظاهرون لمسؤولين بعينهم بالفساد، تحت عُنوان مُحاربة الفساد، فيما اعتبره البعض تضليلاً لتشويه سمعة عبد المهدي الذي تُطالب الساحات برحيله، لقُربه من إيران تحديداً، وتمثيله لسياساتها.
تردّد بين أوساط المُتظاهرين، أنّ السلطات العِراقيّة تستخدم قنابل مُسيّلة للدموع، تخترق جماجم المُتظاهرين في ساحة التحرير، ويبلغ وزنها عشرة أضعاف وزن عبوات الغاز المُسيّل للدموع بالعادة، وهو ما أكّدته بالفعل صور قادمة من هُناك، تُظهر اختراق القنابل جماجم المُتظاهرين، وينبعث من رؤوسهم، وأنوفهم، وعيونهم دخان، وبحسب منظّمة العفو الدوليّة فإنّ خمسة مُتظاهرين على الأقل قد قُتلوا بقنابل مُسيّلة للدموع “اخترقت جماجمهم”.
تضاربت الأنباء أيضاً، حول حقيقة وضع رئيس الوزراء العراقي الحالي عادل عبد المهدي تحت الإقامة الجبريّة، حيث كان لافتاً غيابه عن المشهد السياسي مُنذ عشرة أيّام، وتصدّر معلومات تدخّل إيراني لمنع الإطاحة به من منصبه، كما تحدّث شقيقه باسل عبر حسابه الافتراضي أنّ شقيقه عادل يخضع بالفعل للإقامة الجبريّة فيما يستلم فريق الجنرال قاسم سليماني إصدار القرارات، وهي أنباء يقول خصوم عبد المهدي إنّها جاءت فقط لتبرئته من المَسؤوليّة عن اتّهامات قتل المُتظاهرين في ساحة التحرير، بصفته رئيس الوزراء.
يقول أحد الفُكاهيين في خِتام إعداد هذا التقرير، إنّ الرئيس العِراقي الراحل صدام حسين، هو البديل الأنسب أو “المقبول” الذي طالب به رئيس الحُكومة عادل عبد المهدي لترشيحه حتى يُقدّم استقالته، وبحُكم القدر يقول الفكاهي، لن يعود صدام، لكن سيستقيل عبد المهدي بالنّهاية، فالشّارع الثّائر وحده من يُقرّر، الأنسب، والأفضل، والأقوى، ليحكمه!